سورة القصص - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأيْمَنِ} من جانب الوادي الذي عن يمين موسى، {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} لموسى، جعلها الله مباركة لأن الله كلم موسى هناك وبعثه نبيا. وقال عطاء: يريد المقدسة، {مِنَ الشَّجَرَةِ} من ناحية الشجرة، قال ابن مسعود: كانت سَمُرة خضراء تبرق، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عَوْسَجَة. قال وهب من العُلَّيق، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها العنَّاب، {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك، {كَأَنَّهَا جَانٌّ} وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها، {وَلَّى مُدْبِرًا} هاربًا منها، {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع، فنودي: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ}.
{اسْلُك} أدخل {يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} برص، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} قرأ أهل الكوفة، والشام: بضم الراء وسكون الهاء، ويفتح الراء حفص، وقرأ الآخرون بفتحهما، وكلها لغات بمعنى الخوف. ومعنى الآية: إذا هَلَكَ أمُر يدك وما ترى من شعاعها فأدخِلْها في جيبك تعدْ إلى حالتها الأولى. والجناح: اليد كلها. وقيل: هو العضد. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. قال مجاهد: كل من فزع فضم جناحيه إليه ذهب عنه الفزع. وقيل: المراد من ضم الجناح: السكون، أي: سكن روعك واخفض عليك جانبك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، ومثله قوله: {واخفضْ لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء- 24]، يريد الرفق، وقوله: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء- 215]، أي: ارفق بهم وألِنْ جانبك لهم.
قال الفراء: أراد بالجناح العصا، معناه: اضمم إليك عصاك. وقيل: {الرَّهْب} الكُمْ بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول: أعطني ما في رهبك، أي: في كمك، معناه: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه. {فَذَانِكَ} يعني: العصا، واليد البيضاء، {بُرْهَانَان} آيتان، {مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.


{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه، {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} عونًا، يقال ردأته أي: أعنته، قرأ نافع {ردًا} بفتح الدال من غير همز طلبًا للخفة، وقرأ الباقون بسكون الدال مهموزًا، {يُصَدِّقُنِي} قرأ عاصم، وحمزة: برفع القاف على الحال، أي: رداءً مصدقًا، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الدعاء والتصديق لهارون في قول الجميع، قال مقاتل: لكي يصدقني فرعون، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} يعني فرعون وقومه.


{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي: نقويك بأخيك، وكان هارون يومئذ بمصر، {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} حجة وبرهانا، {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} أي: لا يصلون إليكما بقتل ولا سوء لمكان آياتنا، وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: ونجعل لكما سلطانًا بآياتنا بما نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما، {أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} أي: لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ} واضحات، {قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى} مختلق، {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} بالذي تدعونا إليه، {فِي آبَائِنَا الأوَّلِينَ}.
{وَقَالَ مُوسَى} قرأ أهل مكة بغير واو، وكذلك هو في مصاحفهم، {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} بالمحق من المبطل، {وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} العقبى المحمودة في الدار الآخرة، {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي: الكافرون.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ} فاطبخ لي الآجر، وقيل: إنه أول من اتخذ من الآجر وبنى به، {فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} قصرا عاليا، وقيل: منارة، قال أهل التفسير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح، جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء، ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير، فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق، أراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه، فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دما، فقال قد قتلت إله موسى، وكان فرعون يصعد على البراذين، فبعث الله جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل، ووقعت قطعة في البحر وقطعة في المغرب، ولم يبق أحد ممن عمل فيه بشيء إلا هلك، فذلك قوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} أنظر إليه وأقف على حاله، {وَإِنِّي لأظُنُّهُ} يعني موسى، {مِنَ الْكَاذِبِينَ} في زعمه أن للأرض والخلق إلها غيري، وأنه رسوله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8